احذر هؤلاء فإنَّهم شرٌّ وبلاء

احذر هؤلاء فإنَّهم شرٌّ وبلاء

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعده:

أما بعد:

فاعلم أخي ـ رحمك الله ـ أنَّ حبَّ العلماء دين فهم ورثة الأنبياء يدعون مَنْ ضلَّ إلى الهدى، ويَصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله أهلَ العمى، فكم مِن قتيل لإبليس قد أحْيَوه، وكم مِنْ ضالٍ تائهٍ قد هَدَوْه، فما أحسَنَ أثَرهم على النّاس، وأقبح أثرالنّاسِ عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فهم أئمة الهدى، ومصابيح الدُّجى.

هذا وقد أبتلِيَتْ أمَّتُنَا المسلمة في الآونة الآخيرة بعاصفة هوجاء، وفتنة عمياء، طمت وعمت في ساحة الشباب المستقيم تُشككهم في دعاتهم وعلمائهم بسبب خلافات فرعية مما يسع الإجتهاد فيها، فانبرت لأخطائهم الأقلام ولزلاتهم وُجِّهت السهام، دون رقيب أو حسيب تشهيراً وتنفيراً، وحسداً وحقداً لتنزل عليهم كلَّ وصف شنيع وقول فظيع عِياذاً بالله من هذا الصنيع، حمل لواءها فئام لئام من الأدعياء تظاهروا    ـ أمام الناس ـ بعلم العلماء وحكمة الحكماء في الشكل والظاهر بلباس باهر، وتصنيف فاجر، فزعمت النصح والنقد البناء، وتصحيح الأخطاء، ولكنه الجرح والفضح، فضلوا الطريق فصدق عليهم:" وكم من مريد للخير لا يبلغه " وعلى إثرها انقسم الشباب تجاه الدعاة والعلماء، وتفرقت كلمتهم ما بين مادح أو قادح، وما بين ذاب أو ساب، وما بين مُبشر أو محذر، فتلاشت بينهم النصيحة وفشت القطيعة، فقلَّ الإئتلاف وطلَّ الإختلاف، وبدأ نور الوفاق يخبو، ونار الفراق تربو، فاتسعت الفجوة وحلَّت الجفوة.  

هذه الثلة التي أحدثت هذه البلية سماهم العلّامة  "بكرأبو زيد" ـ رحمه الله ـ :"غزاة الأعراض بالأمراض" وسماهم الشيخ الفاضل الدكتور أحمد عبد الرحمن النقيب ـ حفظه الله ـ :" السبابة " هذه الفئة يجب أن تحذر لذا عنونت الموضوع بهذا العنوان :" احذروا هؤلاء فإنهم شرٌّ وبلاء" راجيا من ورائه هداية الحيران من غواية الشيطان والذبّ عن العلماء العاملين والدعاة المخلصين من أهل السنة، ونصرة للظالم والمظلوم، نصرة للظالم بالأخذ على يده، وإبداء النصح له، وتحذيره من مغبة هذا الظلم، ومن نقمة الله وسخطه عليه في الدنيا والآخرة، ونصرة للمظلوم بردع الظالم عنه والذبِّ عن عرضه، وتذكيره بموعود الله لمن صبر واحتسب ولو بعد حين فالثبات الثبات على الحق وإن خالفك الخلق .

وقبل الحديث عن بيان صفاتهم، أذكرك أخي بكلام نفيس للامام الطحاوي ـ رحمه الله ـ في شرح العقيدة الطحاوية قال: " ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يداَ من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة مالم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ونتبع السنة والجماعة، ونتجنب الشذوذ والخلاف والفرقة " [العقيدة الطحاوية ص: 54 ]

وهذا الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده ويدين الله به، وأما الطعن في الدعاة والعلماء، والنيل من أعراضهم والخروج عن السمع والطاعة وأمر الجماعة والولوج في الطوائف والأحزاب، وشق عصا الطاعة لولاة الأمر فهذا عين كلَّ شر وفساد، وكل بلاء وخراب.

 اقال الله تعالى:" ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ وأوْلي الأمر منكم...." [ سورة النساء: 59]

فأولو الأمر هم العلماء والأمراء فطاعتهم واجبة في غير معصية الله وهي من طاعة الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

وأساس القضية عند هؤلاء ـ هداهم الله ـ تنحصر في شبهة أو شهوة لديهم وهي حصر المنهج في مسائل معينة وعلى فهم شخص واحد أو أشخاص معينين من المعاصرين ومن خالفهم في هذه المسائل ـ التي لا تخرج أكثرها عن مسائل الاجتهاد المعتبرـ فهو خارج عن المنهج ومنابذ لأهل التوحيد والسنة، ومناصر لأهل الأهواء والبدع، وذلك لعدم فقههم في كيفية التعامل مع المخالف لأهوائهم.

والحق والعدل في ذلك أنّ منهج أهل السنة شامل متكامل في العقيدة والفقه والسلوك والعبادة والأخلاق والدعوة والعلم والتربية والتأليف والتصنيف والنقد والحكم على الآخرين.

فمن طبق منهج أهل السنة بتكامله وشموله كان من أهل السنة والجماعة حقاً، ومن أخذ بالمنهج في بعض الجوانب دون الباقي كان من أهل السنة في ما أخذ وطالبناه بالباقي.

فلا يمكن أن تكون من أهل السنة والجماعة إلا إذا علمت منهجهم وطريقتهم من أجل أن تسيرعليه وأما مع الجهل فلا يمكن أن تسيرعلى طريقتهم فالجهل يؤدي بك أن تتقول على سلف الأمة وتنسب إليهم مالم يقولوه ولم يعتقدوه ونقول: هذا مذهب السلف.

كما يحدث من بعض الجهال ـ الآن ـ الذين يدّعون أتباعهم لمنهج السلف ثم يخالفون السلف ويشتدون ويُكفرون ويُفسقون ويبدعون، السلف ما كانوا يكفرون ويبدعون ويفسقون إلا بدليل وبرهان مع سلامة الصدر من الأهواء ومع العلم الراشد.

فهذه الفئة ـ وللأسف ـ يخطون خطة ويقولون: مَنْ خالفها فهو مبتدع، فهو ضال لاـ يا أخي ـ ما هذا بمنهج أهل السنة، منهج أهل السنة العلم والعمل، فإذا أردت أن تكون من أهل السنة والجماعة فعليك أن تدرس منهجهم الصحيح، أما الإدعاء والإنتساب من غيرحقيقة فهو يضر ولا ينفع.

وشعار هؤلاء تزكية أنفسهم بالنسبة إلى المنهج فترى الكثير منهم يذيل اسمه بلقب (السلفي) مثل: (فلان بن فلان السلفي) أو (الأثري) وهكذا، إدعاءٌ مظهري خاوي من المضمون الجوهري.

سئل صاحب الفضيلة العلامة د.صالح بن فوزان ـ حفظه الله ـ هذا السؤال: بعض الناس يختم اسمه (بالسلفي) أو (الأثري) فهل هذا من تزكية النفس أو هو موافق للشرع ؟

الجواب:

<< المطلوب أنَّ الإنسان يتبع الحقَّ، المطلوب أنَّ الإنسان يبحث عن الحقِّ ويطلب الحقَّ ويعمل به . أما أنَّه يتسمى بأنه (سلفي) أو (أثري) أو ما أشبه ذلك فلا داعي لهذا، الله يعلم سبحانه وتعالى :" قل أتُعَلِّمون الله بدينكم والله يعلمُ ما في السماواتِ وما في الأرض واللهُ بِكُل شئٍ عليم " [ الحجرات: 16] فالتسمي (سلفي، أثري) أو ما أشبه ذلك، هذا لا أصل له، نحن ننظر إلى الحقيقة ولا ننظر إلى القول والتسمي والدعاوى قد يقول أنّه سلفي وما هو بسلفي أو أثري وما هو بأثري، وقد يكون سلفياً أو أثرياً وهو ما قال إنه أثري أو سلفي، فالنظرإلى الحقائق لا إلى المسميات ولا إلى الدعاوي، وعلى المسلم أن يلزم الأدب مع الله ـ سبحانه وتعالى ـ لما قالت الأعراب "ءامنا" أنكر الله عليهم :" قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " ولكن قولوا أسلمنا، الله أنكر عليهم أن يسمون ويصفون أنفسهم بالإيمان وهم ما وصلوا بعد لهذه المرتبة، أعراب جاءوا من البادية ويدّعون أنهم صاروا مؤمنين على طول، لا، أسلموا دخلوا في الإسلام وإذا استمروا وتعلموا دخل الإيمان في قلوبهم شيئاً فشيئاً "ولما يدخل الإيمان في قلوبكم " وكلمة (لما) للشئ الذي يتوقع، يعني سيدخل الإيمان، لكن أنك تدعيه من أول مرة هذه تزكية للنفس فلا حاجة أنك تقول:(أنا سلفي، أنا أثري، أنا كذا) عليك أن تطلب الحقَّ وتعمل به وتصلح النية، والله الذي يعلم ـ سبحانه ـ الحقائق >>  

انتهى كلامه ـ حفظه الله ـ

والمقصود بتزكية النفس هنا هو مدحها ورفعها فوق منزلتها وأما تزكيتها بالطاعة وتطهيرها من المعصية فهذا مطلب شرعي لقوله تعالى:" قد أفلح من زكاها (9) وقد خاب من دسَّاها " [ سورة الشمس: 9ـ 10].

ثم اعلم أنه لا يلجأ إلى تزكية النفس ـ بالمعنى الأول ـ إلا ضعيف النفس مقبل على شهواتها، مغفل عن دسائسها، وأما عالي الهمة فيعلم أنها من الله منة ونعمة، فيسترها بالتواضع لأنَّ كلَّ ذي نعمة محسود.

وعملهم الرئيس هو ( تصنيف الناس) على حسب الهوى والوسواس وهو شغلهم الشاغل في مجالسهم، وعملهم الدؤوب الذي لا يحسنون غيره باتقان ومهارة وهو مرض التشكيك وعدم الثقة أو التجريح والتجريح  ولبس جميعهم أثواب الجرح وتدثروا بشهوة التجريح ونسج الأحاديث والتعلق بخيوط الأوهام وغمسوا ألسنتهم في ركام من الأوهام والآثام ثم بسطوها بإصدار التهم والأحكام على مخالفيهم والتشكيك فيهم وخدشهم وإلصاق التهم بهم وطمس محاسنهم والتشهير بهم وتفسير مقاصدهم، ونياتهم فهي وظيفة إبليسية تضر أول ما تضر الجرّاح نفسه إذ سلك غير سبيل المؤمنين فهو جان على نفسه وخُلقه ودينه وأمته، من كل أبواب سوء القول أخذ بنصيب، فهو يقاسم القاذف ويقاسم البهّات والقتات والنمام والمغتاب ويتصدر الوضاعين في أعز شئ يملكه المسلم (عقيدته وعِرضه) قال تعالى :" والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً "  [ الأحزاب: 58 ]

فمثل هذا النقد الجارح الآثم والخارج عن منهج الوسطية من النقد والحكم عل الآخرين ليس من أخلاق السلف الصالح في نصح إخوانهم من أهل السنة .

قال الإمام الشعبي ـ رحمه الله ـ:" لو أصبت تسعة وتسعين، وأخطأت واحدة، لأخذوا الواحدة وتركوا التسعة والتسعين ".

ومثل هذه الصورة تبين لنا تماماً حال العلماء والدعاة (قديماً وحديثاً) فهم يصيبون ويخطؤون بحكم أنهم بشر ليسوا معصومين من الخطأ، فيأتي بعض الجهلة ممن يريد أن ينتقدهم فيأخذ الواحدة فيطير بها فرحاً، وما ذاك إلا أنه ناتج عن الحسد والحقد الذي ترسب وتغلغل في أعماق النفس الضعيفة، ودلالة أيضاً على فساد القصد وسوء الظن بالأخرين.

أخي الكريم هذه بعض صفات القوم، أما عن وسائلهم في تصنيف الناس والمبدأ الذي يعتمدونه فسوف نبينه في مقال آخر إن قدر بقاء وكان لقاء .

تنبيه هام

هذا الموضوع هو تلخيص لرسالة ماتعة لصاحب الفضيلة الشيخ: عبد العزيز بن سريان العصيمي بعنوان (كشف الحقائق الخفية عند مدعي السلفية) بتصرف.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

 

كتبه: أبوأحمد سيد عبد العاطي بن محمد


غفر الله له ولوالديه ولزوجه وولده والمسلمين والمسلمات