أخلاقنا في رمضان 2 ـ غض البصر

أخلاقنا في رمضان 2

غضّ البصر
                               
 
الحمد لله الذي فرض على عباده الصيام ، وجعل لهم فيه زاداً من التقوى كلَّ عامٍ ، وأثاب الصائمين على صبرهم فأدخلهم دارَ السلام ، وسقاهم يوم العطشِ شراباً طهوراً ، ووقاهم يوماً عبوساً قمطريراً ، وجزاهم بما صبروا جَنَّة ً وحريرا ً فتبارك اسم ربِّك ذي الجلال والإكرام
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يُعِزُّّ ويُذِل ، ويَهدي ويُضِلّ ، ويُحَرِّم ويُحِلّ أنزل كتابَهُ فبيَّن حجَّتَه وأرسل رسولَهُ فبلَّغ رسالته وهدى المؤمنين فأتمَّ نعمته فلِله الحمدُ والشكرُ التامَّان على الفضلِ والإِنعامِ
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وخيْرتُهُ من خلقه وخليلُه ، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأ ُمَّة وكشف اللهُ به الغمَّة وجاهد في الله حقَّ جهادِهِ على مرِّ الليالى والأيام
اللهم صَلِّي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين ومن اهتدى بهديه واستَّنَّ بسنته إلى يوم الدين وآتِهِ الوسيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ياربَّ العالمين ... أما بعد:
فيا أحبة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الحلقة الثانية بين يدي هذه السلسلة الموسومة بـ " أخلاقنا في رمضان" والتي بدأتها ب " انشراح الصدر في رمضان " وهذه الحلقة بعنوان " غضُّ البصر " .
من أخلاق الصائمين في رمضان ـ وفي غيره ـ غض الأبصار فمِن ثمار الصيام العظيمة ومن فوائده الجليلة غض الأبصار
فقد جاء في صحيح البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ عن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : كنَّا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال :" من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنَّه له وجاء "
ففي هذا الحديث إشارة إلى فائدة كبرى من فوائد الصيام ألا وهي غضُّ البصر وإحصان الفرج .
فالصائم ينال هذه الفضيلة العظيمة ويسلم من آفات البصر وإطلاقه في الحرام فالعين بريد القلب ومرآته وإذا أطلق الإنسان بصره أطلق القلب شهوته ومن أطلق بصره دامت حسرته فأضرُّ شئ ٍ على القلب إرسالُ البصر .
والنظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، وشأن السهم أن يسريَ في القلب فيعمل فيه عمل السمِّ الذي يسقاه المسموم فإن بادر واستفرغه وإلا قتله ولابد .
وكذلك النظرة فإنها تفعل في القلب ما يفعله السهمُ في الرَّميَّة فإن لم تقتله جرحته .
والنظرة بمثابة الشرارة التي تُرمى في الحشيش اليابس فإن لم تحرقه كلَّه أحرقت بعضه ، كما قيل :
          كلُّ الحوادث مبداها من النظر              ومعظمُ النارِ من مستصغَرِ الشَّرر     
         كم نظرةٍ فتكَت في قلب صاحبها           فتكَ السهام بلا قوسٍ ولا وتر
         والمرءُ مادام  ذا عينٍ يقلبها                في أعين الغير موقوفٌ على الخطر    
         يسرُّ مُقلَتَهُ ما ضرَّ مُهجته                  لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضرر
 
والناظر يرمي من نظره بسهامٍ غرضُها قلبه وهو لا يشعر . قال المتنبي :
         وأنا الذي اجتلب المنيَّةَ طرفُهُ           فمن المطالب ُ والقتيلُ القاتلُ 
قال العلاّمة ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ :"ولما كان النظرُ أقربَ الوسائل إلى المحرَّم اقتضت الشريعة ُ تحريمه وأباحته في مواضع الحاجة .
وهذا شأن كلِّ ما حُرِّم تحريم الوسائل فإنَّه يباح للمصلحة الراجحة " .
قال جرير بن عبد الله ـ رضي الله تعالى عنه ـ :"سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري "
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ : "ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد فما لم يتعمده القلب لا يعاقب عليه فإذا نظر الثانية تعمُّدا ً أثِم ، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند نظرة الفجأة أن يصرفَ بصرَه ولا يستديم النظر فإنَّ استدامته كتكراره "
ففي ظلِّ هذه الفتن التي نعيشها من تبرج وسفور وقنوات فضائية تدعو إلى الرذائل وتقلل من شأن الفضائل ما أحوجنا إلى من يذكرنا بفضيلة غض الأبصار فغض البصر أمانٌ من الفتنة وسبيل إلى السعادة .
وإطلاق البصر في الحرام من شؤمه :
 
1ـ ظلمة في القلب وفي الوجه .
2ـ ضيق في الصدر وألم ووحشة .
3ـ نسيان العلم .
4ـ تجرؤ الخلق على من أطلق بصره لهوانه على الله .
5ـ ضيق الأرزاق وذهاب البركة .
6ـ نزول البلاء فلا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبة .
7ـ غضب الربِّ على مَنْ أطلق بصره ولم يستجب لشرعه جلّ وعلا .
8ـ المعيشة الضنك والشدة في حياته إن لم يتب .
9ـ ضياع الأوقات في الحرام والوقت رأس المال فإن ضاع في الحرام فصاحبه في خسران .
 
ومن غضَّ بصره نال فوائد عظيمة منها :
 
تخليص القلب من ألم الحسرة .
2ـ يورث القلب نوراًوإشراقاً يظهر على الوجه والجوارح .
3ـ يورث صحة الفراسة ويزيد الذكاء .
4ـ يفتح للعبد طرق العلم ويسهل عليه أسبابه وذلك بسبب نور القلب .
5ـ يورث القلب سروراً وفرحاً وقوة .
6ـ يخلص القلب من أسر الشهوة .
7ـ يسد عنه باباً من أبواب جهنم .
8ـ غض البصر يقوِّي القلب والعقل ويثبته .
9ـ يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة .
10ـ يَرفع من قدر صاحبه بين الخلق ويُمكًّن له .
 
وبعد هذا العرض فإن استفاد الصائم من صيامه هذه الفضيلة فإنه يدخل في زمرة المحسنين الذين يعبدون الله تعالى كأنهم يرونه جلَّ وعلا فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم .
فاللهم أعنا على غض أبصارنا وتقبل منا الصيام والقيام وصلِّي اللهم وسلم على نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
 
 
                                                                      
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد سيد عبد العاطي بن محمد الذهبي
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية بالسارلند ساربروكن ألمانيا
غفر الله له و لوالديه و لزوجه و ولده و للمسلمين والمسلمات
                 .