- التفاصيل
-
كتب بواسطة: admin
-
المجموعة: مؤلفات مختلفة
المظاهرات في ميزان الشرع
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعده
ثم أمّا بعد :
فاعلم أخي ـ رحمني الله وإياك ـ أن بلاد الإسلام في واقعها المعاصر كثرت فيها البدع والمخالفات الشرعية وهبت عاصفة من الثورات في الكثير من البلاد أذهبت أمنها ونشرت الفوضى في ربوعها وقد كثرت التساؤلات عن حكم تلك الثورات والمظاهرات المنتشرة في بعض البلاد العربية وحرصاً مِنَّا على المنهج القويم منهج أهل السنة منهج الفرقة الناجية المنصورة اُذَكِّر المسلمين والمسلمات في بلاد الإسلام وغيرها بحكم المظاهرات وعرضها على ميزان الشرع فأقول وبالله التوفيق :
أولاً: من أصول أهل السنة والجماعة عدم الخروج على الحاكم المسلم وإنْ جار
قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً " [ النساء:59 ] .
قال الإمام علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي في العقيدة الطحاوية فصل : وجوب طاعة ولي الأمر إلاّ في معصية :" ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة " .
وجاء في الصحيح عن النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" مَنّ أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني " [ رواه مسلم الإماراة (1835) ] .
وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال :" إنّ خليلي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف" [صحيح مسلم برقم (1837)]
وطاعة الأمير ـ ولي الأمرـ تكون في المعروف بدليل أن الله تعالى قال :" وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول " فقد كرر لفظة "وأطيعوا " مع الرسول لأن طاعة الرسول مستقلة " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى" [ النجم :3ـ4 ] بينما عند أولي الأمر لم يقل وأطيعوا أولي الأمر منكم وذلك لأنَّ أولي الأمر لا يفردون بالطاعة بل يطاعون فيما ليس بمعصية .
س ـ فهل إذا جار وَلِيُّ الأمر وظلم أو أمر بمعصية نَخْرُجُ عليه ؟
ج ـ الإجابة :
لا يجوز الخروج على ولي الأمر إذا جار ولابد من لزوم طاعتهم في المعروف لأن الخروج عليهم يترتب عليه من المفاسد أضعاف ما يَحْصُل من جورهم والواقع خير شاهد في البلاد التي كثرت فيها الثورات والخروج على الحكام ذهب الأمن وانتشرت الفوضى وأرِيقَتْ الدماء وكثرت الأعمال التخريبية التي تقضي على هيبة الدولة ورجالها وولاة أمورها .
بل في الصبر على جورهم تكفير السيّئات ومضاعفة الأجور فإنّ الله تعالى ما سلطهم إلا لفساد الرعية والجزاء من جنس العمل فعلى الشعوب الاستغفار والتوبة واصلاح العمل والمناصحة لولاة الأمور بضوابط الشرع أي سراً بين الناصح وولي الأمر إن استطاع وإن لم يستطع فلا تجوز نصيحته جهراًلأنها تؤدي للفتنة .
فعن عوف بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم فقلنا : يارسول الله أفلا نُنابذهم بالسيف عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه وال ، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة " [ صحيح مسلم برقم (1856)]
وأما عن نصيحة ولي الأمر إن جار فيجب أن تكون سراً بينك وبينه والتلطف في نصحهم سراً وعدم المجاهرة بالنكير عليهم لأن فتنة ذلك شديدة والدليل على نصح الولاة سراً وعدم المجاهرة ما جاء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:" مَنْ أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدَّى الذي عليه له " [ أخرجه الإمام أحمد وابن أبي عاصم في السنة وغيرهما وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في ظلال الجنة في تخريج السنة (2/508) ]
ومما يدل أيضاً على إخفاء النصيحة للسلطان والمنع من إعلان الإنكار عليه ما أخرجه الإمام أحمد في "المسند" عن سعيد بن جهمان قال: " أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصرة فسلّمتُ عليه قال لي : مَنْ أنت؟ فقلت : أنا سعيد بن جهمان قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة
قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة حدثنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم كلاب النار . قال : قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها ؟
قال: بلى الخوارج كلها قال :قلت : فإنّ السلطان يظلم الناس ويفعل بهم قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال : ويحك يا ابن جمهان عليك بالسواد الأعظم عليك بالسواد الأعظم إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه "
[ وقد أخرج جزءً منه ابن أبي عاصم في السنة وحسنه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في ظلال الجنة (2/ 424)]
ومما يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهماـ أنه قيل له :" ألا تدخل على عثمان لتكلمه فقال : أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه "
قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ كما في فتح الباري (13/57) " مُراد أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك بل يتلطف به وينصحه سراً فذلك أجدر بالقبول "
فهذا من أصول أهل السنة والجماعة في معاملة ولاة الأمور ولا شك أن المظاهرات ـ وهي وسيلة حادثة ـ تتضمن المُجاهرة المخالفة لمنهج أهل السنة في نصح الولاة هذا ـ إن كانت للنصح ـ ولكن الواقع يشهد بخلاف ذلك وأنها من الخروج على ولاة الأمر أضف إلى ذلك ما فيها من مخالفات شرعية من اختلاط بين الرجال والنساء بلا ضوابط وتعريض النساء للفتن وكذلك ما يترتب عليها من تخريب المنشأت ونشر الفوضى والاضطرابات بل وإراقة الدماء وكثرة الإصابات وتعطيل مؤسسات الدولة من العمل فيؤثر ذلك سلباً على الاقتصاد وضياع الأقوات وزيادة الفقر وسقوط هيبة الدولة بين الدول ويتيح الفرصة للأعداء للتدخل في الشؤن الداخلية للبلاد وقد يفضي هذا إلى التأثير على القوة العسكرية للبلاد وهذا كله لا يقره لا شرع ولا عقل ولا فطرة سليمة .
وأسوق إليك أخي جملة من فتواى كبار العلماء فيما يتعلق بحكم المظاهرات إضافة إلى ما ذكرت :
1. قال العلامة الوالد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ :" فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق والأسلوب السئ العنيف من أخطر الوسائل في ردّ الحقّ وعدم قبوله أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شراً عظيماً على الدعاة فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذه الطريقة لا بالعنف والمظاهرات . فالنبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم ولا شك أن هذا الأسلوب يضر بالدعوة والدعاة ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلّا بالله" [ مجلة البحوث الإسلامية العدد: 38 ص:210] .
2. وقال ـ رحمه الله تعالى ـ :" لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج ولكنها من أسباب الفتن ومن أسباب الشرور ومن أسباب ظلم بعض الناس والتعدي على بعض الناس بغير حق ولكن الأسباب الشرعية المكاتبة والنصيحة والدعوة إلى الخير بالطرق السليمة هكذا سلك أهل العِلم وهكذا أصحاب النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأتباعهم بإحسان بالمكاتبة والمشافهة مع المخطئين ومع الأمير ومع السلطان بالاتصال به ومناصحته والمكاتبة له دون التشهير في المنابر وغيرها بأنه فعل كذا وصار منه كذا والله المستعان " .
3. وقال العلامة سماحة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ :" صحيح أنّ الوسائل إذا لم تكن مخالفة للشريعة فهي الأصل فيها الإباحة هذا لا إشكال فيه لكن الوسائل إذا كانت عبارة عن تقليد لمناهج غير إسلامية فمن هنا تصبح هذه الوسائل غير شرعية فالخروج للتظاهرات أو المظاهرات أو إعلان عدم الرضا أو الرضا وإعلان التأييد أو الرفض لبعض القرارات أو بعض القوانين هذا يلتقي مع الحكم الذي يقول الحكم للشعب .. أقول عن هذه المظاهرات ليست وسيلة إسلامية .. فلا نرى أنّ هذه الوسيلة تدخل في قاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة لأنها من تقليد الغربيين ".
4. وقال العلّامة سماحة الشيخ محمد الصالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ :" المظاهرات أمرها حادث لم يكن معروفاً في عهد النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ثم إنّ فيه من الفوضى والشغب ما يجعله أمراً ممنوعاً حيث يحصل فيه تكسير الزجاج والأبواب وغيرها .. ويحصل فيه أيضاً اختلاط الرجال بالنساء وما أشبه ذلك من المفاسد و المنكرات .. وأما عن قولهم إن هذه المظاهرات السلمية فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف فإن الله سبحانه وتعالى أثنى على المهاجرين والأنصار وأثنى على الذين اتبعوهم باحسان".
5. وقال ـ رحمه الله ـ :" عليك باتباع السلف إن كان هذا موجوداً فهو خير وإن لم يكن موجوداً فهو شر ولا شك أنّ المظاهرات شر لأنها تؤدي إلى الفوضى لا من المتظاهرين ولا من الآخرين ربما يحصل فيها اعتداء إمّا على الأعراض وإمّا على الأموال وإمّا على الأبدان لأنّ الناس في خضام هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران ما يدري ما يقول ولا ما يفعل فالمظاهرات كلها شرّ" .
6. وقال ـ رحمه الله ـ :" ولا نؤيد المظاهرات أو الاعتصامات أو ماأشبَّه ذلك لا نؤيدها إطلاقاً ويمكن الإصلاح بدونها لكن لابد أنَّ هناك أصابع خفية داخلية وخارجية تحاول بث هذه الأمور ".
7. وقال سماحة الشيخ صالح بن عضون ـ رحمه الله تعالى ـ :" فالداعي إلى الله عزوجل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عليه أن يتحلى بالصبر وعليه أن يحتسب الأجر والثواب ، أيضاً أن يتحمل ما قد يناله في سبيل دعوته وأمّا أن الإنسان يسلك مسلك العنف أو يسلك مسلك ـ والعياذ بالله ـ أذى الناس أو مسلك التشويش أو مسلك الخلافات والنزاعات وتفريق الكلمة فهذه أمور شيطانية وهي أصل دعوة الخوارج فهم الذين ينكرون المنكر بالسلاح وينكرون الأمور التي لا يرونها وتخالف معتقداتهم بالقتال وسفك الدماء وبتكفير الناس وما إلى ذلك من الأمور، ففرق بين دعوة الصحابة بالحكمة والموعظة الحسنة وببيان الحق وبالصبر وبالتحلي واحتساب الأجر والثواب ، ودعوة الخوارج بقتال الناس وسفك دمائهم وتكفيرهم وتفريق الكلمة وتمزيق صفوف المسلمين هذه أعمال خبيثة وأعمال محدثة والأولى الذين يدعون إلى هذه الأمور يجانبون ويبعد عنهم ويساء بهم الظنّ هؤلاء فرَّقوا كلمة المسلمين ، الجماعة رحمة والفرقة نقمة وعذاب والعياذ بالله ".
تنبيه هام جداً:
تنبيه هام جداً:
لعلَّ الكثيرين ممن يخرجون في المظاهرات اليوم قد يكونوا من العوام والبسطاء جرَّتهم العاطفة الغير مقيدة بالشرع والبعض منهم متأول فها نحن بيّنا لك بالأدلة عدم جواز ذلك فعليك أن تستغفر ربك وتتوب إليه وتقلع عن هذه الوسائل الشيطانية التي لا تعود إلا بالشر على البلاد والعباد ومن تاب تاب الله عليه فبادر بالتوبة والعودة إلى المنهج الحقّ.
وعلى بعض الدعاة الذين أفتوا بجواز المظاهرات أن يتقوا الله في أنفسهم وفي بلادهم ويراجعوا أنفسهم ويحتكموا للقرآن والسنة وصوت العقل والحكمة حقناً للدماء وجمعاً للكلمة .
وعلينا جميعاً التوبة إلى الله تعالى وكثرة الاستغفار ولزوم الحقّ بدليله وعدم تقديس بعض الدعاة فمنهج أهل الحق توقير العلماء وعدم تقديسهم فهم بشر يصيبون ويخطئون فعلينا أن ننصح لهم عند الخطأ ونأخذ بأيديهم إلى الحقّ ولا نسمع لهم في المخالفات التي تجر الأمة إلى الويلات ونلزم العلماء الثقات أصحاب التأصيل الذين يكثرون من النصوص الواضحات من الكتاب والسنة ولا نلتفت لمن لا يحسنون التنزيل للنصوص على واقع الأمة فطالب الحق لابد له من أمريْن :
الأول : صحة الدليل .
الثاني : صحة التنزيل .
ولعلّ واقع البلاد التي حدثت فيها الثورات خير شاهد على صحة ما ذكرناه فعلينا أن نرد الأمر عند النزاع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونسأل العلماء الثقات ونبتعد عن الخلافات والمخالفات المذمومة .
ووصيتي للشعوب العربية :
اتقوا الله في بلادكم واتقوا الله في أنفسكم وفي ولاة أموركم واسمعوا لهم وأطيعوا في المعروف وأما في المعصية فلا وقدموا الذي عليكم واسألوا الله الذي لكم .
وفي الختام :
ينبغي لطالب الحقّ أن يرضي الله جل وعلا وإن سخط الخلق ولا يرضي الخلق بإسخاط الربِّ وإلا سخط عليه الرب وأسخط الخلق .
وأسأل الله تعالى أن يحفظ بلاد المسلمين وأن يؤمن المسلمين في أوطانهم وأن يقيض من العقلاء والحكماء من يصلحون بين المتنازعين ويجمعوا الصف ويسارعوا في حقن الدماء .
اللهم آمين
كتبه أبو أحمد سيد بن عبد العاطي
- التفاصيل
-
نشر بتاريخ: الأربعاء، 09 نيسان/أبريل 2014 21:07
-
الزيارات: 3522